هل كورونا مهذب أنفسنا أم رمضان؟
بعد أن عاث بعض عباد الله في الأرض فساداً على مدى السنوات المنصرمة، وبعدما كانت أنفسهم تقودهم إلى ملهيات الدنيا؛ كان لزاماً وجود مهذب لتلك النفوس لتنهضها من غفلتها وترجعها إلى درب الصواب.
على ما يبدو أيضاً أن الإنسانية التي نست الله كانت تحتاج إلى واعظ، وكل الأنظار كانت تتجه كالعادة إلى شهر رمضان إلا أن المعادلة اختلفت بوجود فيروس خفي ليحط رحاله قبل شهر رمضان وليعيدها إلى ذكر الله ونوره .. نعم، فأتى ذلك الخطير ليحصد _ كورونا_ الأرواح ويرعب البشرية متجاوزاً الحدود، يأبى التعقيم، ويعزل المصابين به بشكل يدعونا للتحسر فعلاً على حال الدنيا..
من عظائم يوم القيامة أن يفر المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه وفصيلته التي تؤويه، وتلك علامات مرتبطة بتكوير الشمس وانشقاق القمر وعهن الجبال المنفوش..
اليوم يلعب كورونا *"دوراً يشبه القيامة"،* شوارع خالية، ومساجد بلا صفوف وكعبة بلا طواف، وحدائق تخلو من ابتسامات الأطفال ومشاكساتهم،.. ناس باقون في بيوتهم يخشون حتى التنفس، تخيفهم العطسة وتبعثرهم سعلة عابرة..
وباء كورونا في هذه الأيام يبعثر أواصل الارتباط و يفرق بين الزوج وزوجه والأخ وأخته ويفر المرء من المصاب دون اعتبار لصلة قرابة أو صداقة، مات البعض بالفيروس ولم يُصَلّ عليه، ودُفنوا بطريقة نقل البضائع المستهلكة دون أن يمسهم ماء، بثيابهم مرضوا وبذات الثياب دُفنوا الها سيلاقون رب العالمين...
تأملوا ذلك الموقف الذي حتى في نعيم الدنيا ومفاتنها يحصل هذا الهرع والفرار ، يحصل هذا وإمكانية إيجاد اللقاح متوفرة بعلماء البشرية وأطبائها، المطهرات بأنواعها متوفرة، فما بالنا بالفرار يوم الغاشية حين لا يتواجد إلا كتاب إما أن تتلقاه بيمينك أو بشمالك..؟!
كورونا حوّل بعض دول العالم إلى مقاطعات تشبه مقاطعات هندية فقد باتوا يحرقون ضحايا الفيروس، وفي دول أخرى باتوا يهددون بإعدام المصابين، ودول أخرى تدفن موتاها بطريقة شهداء بحر ..
صورة مصغرة ليوم القيامة التي لا نعلم منها إلا ما قرأنا، الفرق أن يوم القيامة تزدحم الأرض وتتقارب الصفوف وتتلاحم الأجساد إلى قرب، يقف الجميع صفاً لربٍ يجيء والملك صفاً أيضاً،
كورونا أفرغ الأرض من سكانها.
أما الواعظ الثاني شهر رمضان فكل السلبيات التي نعيشها بسبب كورونا والتي أشرنا إليها مسبقاً، شهر رمضان يأتي ليثبت للعالم رسالة وأنا أيضاً واعظ، فلو اتعظتم بي لما حلّ بكم هذا الوباء؛ هو أتاكم مكشراً عم أنيابه لم يبق منكم أحداً ولم يذر، شتتكم... دمر اقتصادكم...هشّم خيرات بلدانكم... كان بخيلاً خبيثاً وأنا كنت كريماً ودوداً،
أتيتكم ببحر من الطاعات فلو تقييم بها إلى الله لدفنتم ذلك المرض بأرض جرداء لا يُعرف لها قرار.
نعم، رمضان هو الواعظ الأكبر لأنه واعظ برأفة وحب، وأيضاً كورونا واعظ لكن واعظ بحقد دفين، رمضان يأتينا كل سنة مرة ونقول أهلا بالزائر الضيف ونتمناك ضيفا دائما، أما كورونا أتانا زائراً رغم أنوفنا واستقبلناه ونحن له كارهون؛ فشتان بين زائر خفيف الظل وزائر ألقى بأعبائه علينا!
هي فرصة يجب استثمارها من هذا الوباء للعودة إلى الله بقلوب نقية سليمة، هي فرصة للطمأنينة بذكر الله وكتابه المقدس، هو من ناحية ومن ناحية أخرى رمضان؛ اجتمع سببان لتنقية نفوسنا فإذا فرغنا من هذا الشهر ولم نكن على درجة من القرب إلى الله فأي خسارة نحن خاسرون؟
هي دعوة من رمضان مع لطفه ووده للإنسانية جمعاء بأن يعودوا إلى رشدهم ودينهم،
أيضا هي دعوة من كورونا رغم رعبها وحقدها لجميع الناس، بأن يُطهروا قلوبهم قبل أيديهم، وأن ينظفوا مساكنهم بالتسبيح والاستغفار قبل المسارعة إلى المطهرات.
ما الفائدة من منزلك إذا كان نظيفاً.. وقلبك يمتلئ بالقاذورات..؟
يا لأنفسنا الضعيفة وفهمنا الخاطئ من هذا الفيروس! فهمناه مرضاً ولم نفهمه داعياً إلى الله، وما أجمل الدعوة حين يكون سببها حكمة من الله بشيء خفي(كورونا)، وبشهر فضيل يغسل سواد قلوبنا(رمضان)!
تعليقات: 0
إرسال تعليق